جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه.
كتاب الروض المربع الجزء الثالث
182530 مشاهدة
مسألة التورق

ومن احتاج إلى نقد فاشترى ما يساوي مائة بأكثر ليتوسع بثمنه فلا بأس وتسمى مسألة التورق.


هذه مسألة التورق إنسان بحاجة إلى دراهم واشترى سيارة بدين وعرضها للبيع وباعها بالحراج، اشتراها بخمسين ألف وباعها بأربعين لينتفع بثمنها. يجوز ذلك.
سميت بمسألة التورق؛ لأنه بحاجة إلى الورِق اشترى السيارة وهو ليس بحاجة إليها، لا حاجة له في السيارة، أو في غيرها من السلع إنما حاجته في ثمنها. هذه مسألة التورق.
وفيها أيضا خلاف حتى منعها كثير من العلماء حتى قال ابن القيم وابن تيمية التورق أخية الربا. الأخية ويسميها العامة الخية. الخية عند العامة والأخية في اللغة: هي وتد يغرس في الأرض ثم يربط في حبل طويل، ثم يربط في الحبل شاة نعجة أو عنز، هذه الشاة تذهب قليلا تأكل تردها الخية. الخية هي هذا الحبل فمرجعها إلى الوتد، الوتد هذا يسمى خية عندة العامة وأخية في اللغة.
هذه الخية هي المرجع يقولون: التورق أخية الربا أي: مرده ومرجعه؛ وذلك لأنه اشترى سلعة مثلا سيارة بخمسين ألفا وباعها بأربعين ألفا، فهذه الأربعين التي باعها به ثابتة في ذمته خمسين أو في ذمته بدلها خمسين، فكأنها ربا، لكن فإذا أردت أن تتصرف فيها تصرف كيف تشاء، فلا مسئولية على البائع لكن يقولون: إن نفس المشتري هو الذي وقع في الربا؛ حيث إنه أخذ أربعين بخمسين. إذا قلت مثلا في ذمتي خمسون وهو لم يستلم ولم ينتفع إلا بأربعين. فالصحيح أن هذا جائز؛ وذلك لأن المشتري اشتراها لحاجته إلى الدراهم، والبائع باعها بثمن مؤجل كسائر الديون والله تعالى قد أباح الدين المؤجل، أباح الدين إلى أجل في قوله: إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ولم يزل الناس يتداينون ويزيدون في ثمن الغائب، السلعة التي تساوي مائة نقدا يبيعونها مثلا بمائة وعشرة دينا، والسلعة التي تساوي عشرة آلاف نقدا يزيدون فيها بحسب طول الأجل أو قصره، فيجعلونها مثلا بأحد عشر ألفا أو بعشرة آلاف ونصف زادت نصف الألف، وربما وصلت إلى خمسة عشر ألفا أحيانا. فالناس أحرار في التصرف في أموالهم بما أباح الله بزيادة أونقص وهذا قد حصل عليه التراضي والبيع إذا كان عن تراضي فلا محذور فيه.
ففي الحديث: إنما البيع عن تراض وقد تراضيا. رضي أنه يبيعك هذه السلعة بعشرة آلاف دينا ويكتبها في ذمتك، وليس بمسئول عن تصرفك، فأنت تتصرف فيها تبيعها مثلا بتسعة آلاف نقدا وتنتفع بقيمتها؛ وذلك لأن الإنسان يحتاج إلى نقود كثيرا ما يكون عليه دين فيحتاج إلى نقود يوفي بها الدين، أو يحتاج إلى نقود يجهز نفسه لزواج مثلا أو لشراء سيارة أو لعمارة سكن. فيحتاج إلى نقود، ولا يجد من يقرضه. العمال الذين يعملون عنده يحتاجون إلى نقودهم، وكذلك سائر السلع ولا يجد من يقرضه فجاز له أن يشتري سيارة بخمسين ألفا دينا ويبيعها بأربعين ألفا نقدا، وإذا حل الأجل، وإذا هو قد جمع من دخله أو من تجارته أو من مرتبه ما يوفي به ثمنها؛ لأنه الآن هو بحاجة إلى شيء حاضر، فلذلك قالوا: تصح يصح مسألة التورق.
..هذا ما له صورة واحدة وهو أنه يحتاج إلى دراهم ويشتري سيارة ويبيعها ينتفع بثمنها. يشتريها بثمن غائب ويبيعها بثمن حاضر.